قيل إن نقاء اللغة دليل على فقرها، وأن اللغة بطبيعتها تخضع للنمو والتطور والتغير في أصواتها وقواعدها وغيرها، فهي ظاهرة اجتماعية وسُنَّة كونية، لكن السؤال هنا، هل ينطبق كل ذلك على اللغة العربية؟ أم أن العربية خارج الحسبة؟

سؤال، طالما يدور في خلدي وقتا طويلا ولم أجد طريقا معبّدا للنفاذ منه، فلنسبر ما يجول في الخاطر.

في كل لغات العالم تقريبا حصل ذلك التغيير خلال الألف سنة الماضية، باستثناء العربية، والتي باستطاعتك تصفح أي كتاب للبيروني وهو من علماء القرن الرابع الهجري، وقراءة مباحثه بكل يسر وسهولة.

نعلم أن القرآن كتاب محفوظ من الله عز وجل، ولغته هي العربية، فبخلوده ستخلد اللغة العربية، بعكس الكتب المقدّسة الأخرى، وفي هذا ردٌّ على ابن حزم حينما قال:

"أنزل [الله] التوراة والإنجيل والزبور وكلّم موسى عليه السلام بالعبرانية، وأنزل الصحف على إبراهيم عليه السلام بالسريانية، فتساوت اللغات في هذا تساويا واحدا".

لكن القول بأن اللغة العربية محفوظة، لا ينافي انكماشها وبقائها في المنابر وأفواه القرّاء فقط.

ولذلك تجد في بداية انتشار الإسلام أن العلماء الأعاجم من المسلمين يجتهدون في التعلم والتعليم والوعظ والتأليف باللغة العربية، وأكّد جمهور الفقهاء على وجوب أداء خطبة الجمعة باللغة العربية وإن كان بين الأعاجم، وهذا لقوة وانتشار الإسلام وقد يقال أيضا لقلة عددهم بالنسبة للعرب آن ذاك، لكن هذه الأيام، قلّما ترى تأليفا باللغة العربية قد كتبه أعجمي، وتشاهد تسامحا كبيرا في الوعظ وخطبة الجمعة وغيرها بلغة غير عربية.

ليس لهذه الكلمات مغزى معيَّنا، إلا راحتي بإخراجها من أضلعي، فقد كانت تلوك في صدري وكادت أن تبور.