يعتبر ابن قيم الجوزية تأويل النص الديني مدخلاً لتشويه الدين وتمييعه وأن الركون إلى المعنى الحرفي يورث الطمأنينة ويحفظ الدين ، ويوافقه على ذلك الفيلسوف الإنكليزي والتر ستيس ، ولكن من جهة أخرى، فإن التأويل سلاح فعال في مواجهة هجوم كل من العلم والفلسفة على الدين .

يشبه التفسير الحرفي للدين بيتاً مستقراً متماسكاً يريح ساكنه ،ولكنه في الوقت نفسه مشاد في ساحة مكشوفة للعدو تسهل مهاجمته من كل ناحية .

أما إذا دخل التأويل فيصبح الدين كأنه بيت متنقل قابل لتغيير شكله حسب الظروف عصي على هجمات العدو ، ولكنه أقل وضوحاً وتماسكاً

حاول المعتزلة الدفاع عن الدين بتأويل نصوصه في خضم حرب غير معلنة بين الدين والفلسفة ، فتصدى لهم أهل الحديث والسلفيون الذين خافوا على الدين من حماته الجدد ودارت معركة حامية بينهما ، ونتج عنها تراث عقدي هائل، و خمد أوارها بعد حين ،وهزم أهل التأويل على الأقل كمذهب واقعي ،ولا شك أن الاعتزال كفكر يقوم على التأويل لا زال حاضراً .

يبدو الحل المعقول أن يتمسك أهل الدين بدينهم ويدافعوا عنه بحرفيته ما وسعهم الدفاع وواتهم الإمكانية ، فإذا عسر ذلك يكون الالتجاء إلى التأويل لا مفر منه ، و يجب أن تكون قواعده صارمة ، وإلا فإنه إذا بولغ في استخدامه فإن الدين يوشك أن يتبخر ويتلاشى ولا يبقى منه شيء.

تبقى شكوك العلم أقل ضراوة على الدين من تلك التي تثيرها الفلسفة . فالعلم يهاجم المحيط والظاهر وجزئيات يسهل المناورة فيها بتأويل بسيط ميسر للكثيرين ، وبخاصة إذا كان النص الديني أصلاً يحمل في جوهره إمكانية تأويله، وقدرته على مواكبة تغيرات النظريات العلمية المستمرة ، وذات المسار المخاتل الذي يتلوى وينعكس اتجاهه أحياناً، وتأتي هذه الإمكانية أولاً من العمومية في النص ، و قدرات اللغة ثانياً ، ومن جواز التأويل ،وتعدد الشروح ثالثا.

أما الفلسفة فإنها تهاجم مركز الدين و فكرته الأساسية ، ويحتاج الدفاع ضدها إلى لياقة فلسفية ولاهوتية ماهرة ، والحرب على هذه الجبهة مراوغة وطويلة ولايوجد حدود واضحة للنصر والهزيمة ،

إن عمومية رسالة الإسلام في الزمان والمكان ربما يعبر عنها أحسن تعبير ذلك التميز التعبيري واللغوي في نصوص القرآن والتي وصفها رسول الله (ص) بأنها لا تخلق على كثرة الرد.