درس كونراد روليتز سلوك السمك في بركة ماء، فوجد أن لكل سمكة منطقة خاصة بها تمنع أي سمكة أخرى من دخولها، كما وجد أن الكلاب تفعل ذلك ، وأنه إذا تجاوز كلب منطقة خاصة بكلب آخر فإن الكلب الآخر يدافع بقوة عن منطقة نفوذه ويطرد الكلب المعتدي، فإذا حصل أن دخل هذا الكلب الذي كان معتدى عليه أرض الكلب الذي كان معتدياً فإن الأدوار تنعكس ويعلو صوت الكلب صاحب الأرض، ويضطر المعتدي الجديد أن ينسحب ويعود إلى مكانه وتهدأ المعركة أخيراً باقتناع كل من الكلبين بنصيبه .
كما درس هذا العالم سلوك حيوانات أخرى ووجد أن الحيوان إذا دخل صراعاً مع ابن جنسه فإنه يحاربه بضراوة ولا يلبث الضعيف منهما أن يقر بالخسارة ويهرب ويوفر الجهد والطاقة والوقت في البحث عن رزقه في مكان آخر ويكتفي المنتصر بذلك ولا يقتل خصمه ،ويستثني روليتز من ذلك الإنسان فإنه يطارد خصمه من بني الإنسان ويقتله إن استطاع.
وقد استنتج هذا العالم وعلماء آخرون من بعده أن العامل المشترك بين الحيوانات بما فيهم الإنسان هو العدوانية وامتلاك منطقة خاصة به .وقد رأى آخرون أن هذا المنطق الذي يؤكد على جبلة العدوانية في الكائنات الحية تبرر الحروب بين البشر، وتعطيها غطاء علمياً، إذ تعدها فعلاً غريزياً محمولاً على مورثاتنا في كل خلية من خلايا أجسامنا ،وتبعد الشبهة عن البيئة والثقافة والتعليم والتنشئة الاجتماعية ، ويقول منتقدو هذه النظرية إن فيها مغالطة منطقية وأن تشابه بعض أوجه سلوك الإنسان بالحيوان لا يعني بالضرورة أن تكون كل أوجه السلوك متشابهة وإلى آخر مدى، و أن ذلك حتمية بيولوجية، ولكن بدلاً من ذلك قد يكون التشابه نتيجة تأثير المجتمع والثقافة.
يحاول أصحاب نظرية الحتمية البيولوجية أن يعرّفوا الإنسان بأنه مخلوق عدواني بطبعه ومورثاته التي في خلاياه ،وليس من ذلك مهرب، ولا يمكن أن يسلك الإنسان سلوكاً رحيماً، وهذه النظريات العلمية سادت بعضاً من الوقت وربما كان وراءها دافع سياسي وعنصري كما يقول عالم الأحياء ستيفن غولد في كتابه (منذ زمن دارون )
وهناك بالطبع نظريات أخرى تفسر عدوانية الإنسان على أسس أخرى كالنظرية الاقتصادية، التي ترى أن الحروب تنشأ بسبب النزاع على الثروة ، وهذه تقترب من نظرية التنافس على أماكن النفوذ ولكن ليست بسبب وراثي وإنما نتيجة لتأثيرات مجتمعية وثقافية.
وقد تندلع الحروب لأسباب دينية وهذه أبعد ما تكون عن فكرة العدوانية والوراثة الجينية والشبه بالحيوان، وقد تكون نقداً قوياً لنظرية روليتز فكيف يمكن أن يجمع بين الإنسان والحيوان في نظرية واحدة تفسر شن الحروب إذا كان جزء كبير من حروب التاريخ قامت على أساس ديني ، إلا إذا كان روليتز وأمثاله يعتبر الدين مجرد حجة ظاهرية.
نال روليتز جائزة نوبل عن أعماله في دراسة سلوك الحيوان عام 1973 و بقيت الحروب تشتعل وربما بوتيرة أعلى في أصقاع الأرض رغم كل ما يتبجح به الإنسان من تطور علمي وثقافي .