‎للشباب أهمية بالغة و مكانة خاصة لا يعرفها إلا أولوا الألباب ، فالشباب زهرة المجتمع وصفوة المجتمع وقرة عين المجتمع ، وكما نعلم فإنه لا قيمة لمجتمع شبابه منهمك في اللذات لا قدرة له على حمل المسؤوليات والقيام بالواجبات تجاه شعبه ، فأهمية الشباب لا تحتاج إلى إضاعة الوقت من أجل تذكير الناس بها فأهميتهم مما علم عقليا ، ففي التاريخ أمثلة كافية وشواهد كافلة بأن يتذكر ويتعظ من لا يتعظ ممن تأثروا بالغزو الفكري ، ولا مجال هنا للتحدث عن أمر اتفق عليه السلف

‎والخلف،والشر والشرف

‎إن الشباب في كل زمان ومكان عماد الأمة وسر نهضتها ومَبعث حضارتها وحامل لوائها ورايتها وقائد مسيرتها إلى المجد والتقدم والحضارة وصناع مجدها وصمام حياتها وعنوان مستقبلها، فهم يملكون الطاقة والقوة والحماسة الّتي تؤهلهم إلى أن يعطوا من أعمالهم وجهودهم وعزمهم وصبرهم ثمرات ناضجة للأمّة إذا ما ساروا على الطّريق الصّحيح المرسوم في اتّجاه التّنمية والتقدّم

‎قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: “ما آتى الله عزّ وجلّ عبدًا علمًا إلاّ شابًّا، والخيرُ كلُّه في الشّباب”، ثمّ تلا قوله عزّ وجلّ: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}، وقوله تعالى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}، وقوله تعالى: {وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}.

لقد علم أعداء الإسلام أهمية دور الشباب في بناء الأمة؛ فحرصوا حرصاً كبيراً على إلهائهم، وتسميم أفكارهم، وزرع الميوعة والخلاعة في نفوسهم، وخططوا ودبروا لتبديد هذه الثروة، ثروة الشباب وتعطيلها وإفساد طاقتها، وتخريب قوتها، فظهر جيل من الشباب مقلِّدٌ لأعداء الله، متشبهٌ بهم، معجبٌ بأطروحاتهم وأفكارهم، متبعٌ لهم، مسلمٌ بما جاء من عندهم؛ حتى وصل الحال ببعضهم بازدراء أحكام الإسلام، والتخوُّف من الحكم الإسلامي، والتندُّر بالملتزمين والمتدينين، ووصفهم بأنهم معقدون ومتشددون!! ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ ﴾.

وللأسف الشديد أصبحنا نشاهد ظهور اجيال جديدة من الشباب يظنون أن الرجولة في التبجح بالحديث عن المغامرات والمعاكسات، وملاحقة الساقطين والساقطات، ويروون قصصهم في ذلك بكل جفاء وقلة حياء.

 

‎وآخرون يظنون أن الرجولة في سماع الأغاني ورفع الصوت بها في السيارة أو على الدراجة، مع التفحيط والتهور، ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾.

وظهر جيل آخر من الشباب متشبهٌ بأعداء الله في الظاهر أو المظاهر، فيتسمى بأسمائهم، ويقلدهم في لباسهم، ويتشبَّه بهم في تصرفاتهم وحركاتهم وقصَّاتهم، ويعظم صور لاعبيهم وسفهائهم، وكأنهم لم يسمعوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ومن تشبه بقوم فهو منهم))

إنّنا حينما نتأمّل حالة مجتمعنا اليوم ونحاول أن نرصد نشاط شبابه عن كثب، نجده منصرفًا إلى ما يهدم دعائم هذا الوطن بدل بنائها وإقامتها؛ إذ يختفي حسّ المسؤوليـة وينعدم الواجب وتغيب التّضحيـة وراء ستائر العبث والاستهتار واللامبالاة، فلا يبقـى إلاّ الدّور السّلبي الّذي أصبح يقوم به جلّ الشّباب إذا لم نقل كلّهم استثناءً لفئة قليلة جدًّا.

اذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم

ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

عن المرء لا تسال وسل عن قرينه

إننا اليوم بحاجة إلى الشباب المؤمن الحريص العاقل، المستشعر لواجباته تجاه دينه وأمته، المتحمل لتبعات أهله وبيته ومجتمعه.

نحن بحاجة إلى الشباب المخلص، الذي يحول الخيبة إلى أمل، واللهو إلى عمل، بعيد كل البعد عن أماكن الفساد ومواطن الخلل.

نحن بحاجة إلى شباب يشتاقون إلى المعالي، ويذللون الصعاب، ويصنعون المستحيل، ويأنفون الذل والهوان.

أما أنتم أيها الآباء؛ فسدوا الفجوة التي بينكم وبين الشباب، وافتحوا لهم المجال ليبوحوا لكم بما تكنُّه سرائرهم وتخفيه صدورهم، وتبسَّطوا معهم في الحديث، وبادلوهم الرأي، وجادلوهم عند الخطأ بالتي هي أحسن، لا بالتي هي أخشن، وقدِّروا لهم المرحلة التي يمرون بها من غير إفراط ولا تفريط.