أبي و أمي العزيزين،
خلال رحلتي الأخيرة إلى أمريكا إستغليت بعض وقتي الحر لزيارة أصدقائي في موطن الإبتكار التكنولوجي "سيليكون فالي" و من خلال عدة جلسات مع الأخصائيين ركبني هوس " البيانات الكبيرة" أو ما يصطلح عليه ب Big Data و مدى تأثيره المستقبلي في حياة أمتنا. و خلصت إلى أن مفهوم "الخصوصية" يبدوا قد عفى عليه الزمن في أمريكا و بشكل متسارع في باقي دول العالم.
أستطيع الآن أن أرى كيف أن هذا الجيل و الذي بعده على استعداد للنشر على شبكات التواصل الاجتماعي من الأشياء التي، أنتم الأباء، تعتبرونها غير لائقة مثل الصور الشخصية، الأذواق، المشاعر ، الإنتماء السياسي، جلسات السمر، الرحلات مع الأقارب....الخ و لا أحد منا يرى أنه من غير العادي أن نتفليكس و أمازون يعرفون كل شيئ عن أذواقنا الثقافية لأن ذلك يسمح لمحركات بحثهم بإقتراح هذا الكتاب أو ذاك الفيلم على أساس ميولاتنا.
و لقد أصبحت هذه الخاصية من أهم المزايا التنافسية التي جعلت الشركات التكنولوجية الأمريكية كفايسبوك،تويتر و يوتوب و غيرها تغزوا العالم.
و هذا على مايبدوا فقط بداية عصر "البيانات الكبيرة" الذي سيجعل من مستخدمي النت كلهم عراة سواء شاؤوا أو أبوا. فقد قرأت في إحدى الصحف الكاليفورنية أن أباً لأحد العائلات الأمريكية علِم بحمل ابنته القاصر من خلال الإشهار الموجه لحبوب الإجهاض على صفحات الويب المحملة على كمبيوتره لأن إبنته بحثت غوغل في الموضوع!
و كلنا بالطبع يعلم أن مؤسسات الإستخبارات الأمريكية تجمع و تحلل ملايين التيرابيتات من البيانات غير مبالية بحق خصوصية الأفراد.
ليس فقط لأن البيانات الضخمة تسمح بالتعرف على من أنت، ما هو موقعك الجغرافي الحالي، ماذا تحب و ما تستهلك....و لكنها ستتوقع ماذا ستفعل غداً أو بعد غد. ألم يصرّح إريك شميت، رئيس غوغل ذات مرة:"نحن نعرف أين أنت، أين كنت ونستطيع حتى أن نعرف رأيك و في ماذا تفكر...."
لقد عدت من رحلتي بوجع في رأسي و أنا أفكر في كل ما يترتب عن هذه الهوة الشاسعة بين شبابنا الذي يبقى مستخدماً لتكنولوجيات إبتُكرت من طرف أقرانهم. لن يستطيع هنا أي أحد أن يقدم عذر الإمكانيات لأن مخترعي غوغل، ياهو، فايسبوك....الخ شبان جامعيون لم يتجاوز معظمهم الثلاثين من العمر و فعلوا ذلك بموارد زهيدة.