ألا حبّك يذوق الحرب!
حيناً يبدو الأمر أكثر ريبة كلما ابتعدت عنه، الأمر الذي أقصد به هنا رغبتك في أن يحصل وأنت تتردد التفكير، تغزوك مجادلات فكرية بخاطرك ضد طرفان وأنت بأفكارك كلا الطرفان، تعتريك رغبة حصول وإيجاز الأمر لكن ما يحدث لاحقاً يقصي رغباتك وأفكارك والأمر برمّته دون ايضاح وسبب بما فكرت!
ربما هي رغباتنا الدفينة داخلنا حين تصبح ذو حجم يفوق حتى ما نتمنى، حجم ليس له وحدات للقياس كوحدات القياس الفيزيائيّة المخصّصة في تحديد قياسات الحيّز الذي يحتلّه جسم معين، ولن تستفيد من دلالات أيّاً من الكفّات فلا مقياس يقيس الأبعاد الثلاثية له ولا ضرب مساحة واحدة منه بوجهاته يحدد كتلته أو وزنه. هذا الجسم تنتشر فيه جزئياتك المكوّنة له والذي أسميناه سابقاً <<بالأمر الما>>. يجتاحك كاللا محدود، خطوط لا نهاية لها وأنت أضعت نقطة الانطلاق، هذا الأمر أو الجسم سيبقى داخلك تنتظر زواله بعد خيبات وصدمات ما أتاك من حجمه الحقيقيّ خارجك وبدون أي تأثير عليه سوى تنفّخه وتضخمه بنتاج ما أكل منك وما تآكل فيك وذهب دون رجعة!!
كنت أودّ أن أكتب عن فتاة أحببتها وخذلتني، فكانت البداية ثرثرة زائدة الانطباعية والإنشاء، هذا كل مافي الأمر. أتوقف للحظات بمحاولة عصف التفكير، وكنوع من جلد الذات أحترم المكان والمحيط. فما ذنب القارئ حتى يشاركني قصة فتاة خالفتني برغباتها ولم تتنازل لبساطة أمنياتي، هذا القارئ الذي ينتظر توصيفاً لما تحمله البلاد من حطام. فيصار عليه مقاطعة النصّ، حتى يشاركه ما بداخله ويتمناه، يبحث فيه عن شيء يشبهه، وإن وجد أكثر أسربته وسردياته قد أججت ما يحمله ويكنّه من مشاعر، راح يتبنى ذاك النصّ بكلّ كلماته.
الحبّ والحرب وجعٌ لا وجعان لشخصٍ واحدٍ ياصديقي!
كيف لا وأنت ترى من حاولوا وسبقوا تفّنيد الأوجاع المشتركة من زوايا الممكنات، سقطوا في فخ كينوناتهم وما كانوا يرغبون، كحين قال الماغوط :<< كنت أودّ أن أكتب شيئاً عن الاستعمار والتسكع عن بلادي التي تسير كالريح نحو الوراء ومن عيونها الزرق تتساقط الذكريات والثياب المهلهلة ولكنني لا أستطيع، قلبي باردٌ كنسمة شمالية أمام المقهى>>.
تماماً أرى مواثيق الممكنات تشبه بعضها بالعقود والصكوك وعهود الفريقين. الفريقين الموشكين على الخصام في لحظة التراضي بالتوقيع على العقد. العقد الذي ينذّرُ بحرب قادمة بحال الانقلاب على قواعده من أحد الطرفين.
إلّا الحبّ والحرب يُصنعان بشرط تحقيقهما بتساوٍ وتوازي ووفرة النِسَب لهما. ألم يقل قبّاني
<< أريد أن أكتب لك كلاماً
لا يُشبهُ الكلامْ
وأخترع لغةً لكِ وحدكِ>>
وبعدها انقلب على العشيرة!!
- لكِ أنتِ من داخل النصّ - قولي أنك لا تشبهي هذه البلاد قولي أنك كنت تمتحني حبي لك مثلاً، كوني بلسماً يداوي فائض الجروح والصدمات وما أحبطتنا به هذه الجغرافيا اللعينة. قولي أيّ شيء، وإيّاكِ أن تُسلّمي عناقيد المشانق لكروم هذا الوطن، فهي صارت مستباحة. مغتصبة. والنصّ ينهشُ بأجساد كل من حاولوا أن يكتبوا ويعبّروا. ساعيين للنجاة!
هامش
قطع المتوسط بزورقٍ خشبيّ متهالك، وأكمل الصحراء بالقطار داخل مقصورة الفحم جانب فوّهة النار، كان يحمل بجعبته بقايا رصاصات المعركة وعدداً يساويها من فوارغ المقذوف، وبجيبه العليا يساراً وضع صورتها ليثبت لها استبساله على هضبة الدولة الشقيقة، يحدثها وهم يصارعون الغزاة لنيل التحرير!، "وصل بلاده ليراها متزوجة من غيره" ضاق قلبه على التضحيات ورفاة من تركهم على الهضبة من رفاقه، حاولوا أن يفهموه باستمرارية الحياة وبأنَّ ربك سوف يعطيك لترضى.. في الليلة ذاتها نقصت الرصاصات عن الفوارغ واحدة، والصورة بالجيب أُحرق وسطها و باتت بلا ملامح، وعلى الهضبة هناك زاد عدد الرفاة رفيقاً بغير مكان!!