الذي نعرفه جميعا ان يونس(ع) ذهب غاضبا عندما لم يستجب قومه لدعوته وقرر تركهم بعد ان فقد كل امل في توحيدهم الرب عز وجل, لكن الله لم يأذن له بتركهم فالتقمه الحوت وسار به الى ان قذفه على اليابسة لأنه كان يسبّح ببطن الحوت ومن هنا قيل ان يونس سار به قبره.

كنا نسمع ولم نصدق, وفيما بعد شاهدنا بأمهات اعيننا اناس يعيشون في المقابر بالقاهرة, لكثرة الخلق وضيق ذات اليد رغم المثل القائل رزقه اكثر من خلقه, أما في ليبيا فقد اصبح الوضع الامني لا يطاق فالمترجّل قد تصيبه رصاصة طائشة في اي وقت وعليه فإن نعليه تحملانه الى حتفه, ان كنت تركب سيارة فإنك معرض للاختطاف ومن ثم القتل وان كنت تقود سيارتك فإما ان تتخلّى عنها عن "طيب خاطر" وإما ان تسكن جسدك بضع رصاصات, فالسيارة هي نعشك الذي يذهب بك الى مصيرك المحتوم, وان كنت بالسوق لاقتناء بعض حاجياتك فقد تحدث مشاجرة بين اثنين سرعان ما تشاهد اسلحة خفيفة تنطلق منها رصاصات ان لم تصب المعني فقد تصبك وتكون في خبر كان.إن طلبت من جارك او احد المارّة خفض صوت مسجل السيارة بسبب الاغاني المنافية للأخلاق, سرعان ما يحضر بندقيته ليمطرك بوابل من الخراطيش, ان لم تقتلك فحتما ستصيب أجزاء من جسدك بالإعاقة او التلف, حينئذ فإن الدولة تبذل قصارى جهدها لعلاجك على حسابك (نفقة المجتمع) في اية دولة تشاء حيث تصبح اغلى مخلوق على وجه الارض ولتصطحب معك من تشاء لمرافقتك في الرحلة العلاجية التي قد تطول وغالبا ما تجد نفسك مقعدا أبديا.  

هذا هو الوضع الذي آلت اليه الامور في البلاد, فلم تنفع مطالبات الناس للمسئولين بالعمل على تحسين الوضع الامني, وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية والبيئية (اكداس القمامة المنتشرة في كل مكان التي صارت تضاهي قمة افرست) والحد من اعمال العنف المتمثلة في السرقة والسلب والاختطاف وآخرها اختطاف النساء, تلكم امورا لم نألفها من قبل في مجتمع بدوي محافظ.

عودة على بدء هل اغضب الشعب الليبي ربه؟  لا يخلو الامر, فغالبية الناس تقول أننا اكلنا الحرام عن سبق اصرار وترصد وبمباركة من بعض رجال الدين الذين كانت لهم علاقة وطيدة بالنظام, الذين صاروا اليوم يكيلونه كل الاتهامات, وبالتالي فدعواتنا لم تعد مستجابة ما استوجب غضب الرب فأوكلنا الى فئة من خلقه (الذين انتخبناهم) لا تخافه  ولا ترحمنا.

اخوتنا الجزائريون كانوا يقولون عنا اننا شعب ميّت يخاف الموت, واليوم نقول لهم اننا احياء نمارس طقوس الحياة في نعش ابتدعه لنا من اوصلناهم الى السلطة, ونتمنى ان لا تصيبهم العدوى.   

ان ليبيا قي ظل المتشبثون بالسلطة الذين لم يعترفوا بنتائج صناديق الانتخابات التي اقصتهم عن السلطة, لقد اصمّوا اذانهم عن مطالب الشعب, اصبحت ليبيا نعشا كبيرا يضم كافة المواطنين, يمارسون في النعش كافة اعمالهم المعتادة, فهم جميعهم في البرزخ ولم تعد تهمهم" الساعة" ولا ينتظرون قيامتها,إنها (الاوضاع الحالية) ملحمة سطرها الشعب بإرادته وبكامل قواه العقلية والبدنية وبشهادة المراقبين من كافة انحاء العالم. فهل ينقذ البرلمان البلاد مما هي فيه؟ الوقت ليس للإجازات التي اراد بعض النواب التمتع بها ونعدها محاولة مكشوفة للتهرب من المسؤولية,وننصح هؤلاء النواب بعدم العودة الى طبرق لأنها تحتضن الشرفاء فقط لا الانذال. البلد يحترق وهم يساعدون المجرمون في اعمالهم.

ميلاد عمر المزوغي