مرّة أخرى، اكتب لأن يدي تنهشني، أو لأطمر ما أوّد أن أنساه/أتناساه كما عهدتني من ذي قبل، النّص الذي يشبه مطمر نفايات، ترمي الوخز الذي يزّن في عقلك وتتركه للعفن ثم المثول للعدم. الألم الذي يصارعني فيصرعني نائمة حتى الرابعة مساءا، المزاج الضبابي المتهيئ للشجار كشرّار عيد ميلاد في انتظار شمعة.
ضرس العقل، والذي لا صلة له بالعقل سوى أنّه يفقدك إياه ألما -ربما- في النهاية. لا أدري لمّا يُذكرنّي الألم بحركة صفائح الأرض التكتونيّة وأنا التي ما درست جغرافيا من خمس سنين مضت-ولا جيولوجي بطبيعة الحال. أعني، حركة الصفائح المتماسكة دهرا المؤدية لـشرخ لا يجبر أبدا في بطن هذا الكوكب فتتجشأ الأرض ماءا من بين أيديها ومن خلفها، تذكرني بمراحل نشأة ضرس العقل هذا، حيث أن الألم يهزّ أوصالك. زلزال يسبق انبجاس اثنتا عشر عينا من الدّم والالتهاب ولا " زِم زِم" لتلد كتلة شبة عظميّة، سيراميكيّة بيضاء تُدعى "ضرس العقل" ودون فائدة بيولوجيّة تشفع له -سوى إخبارك مؤخرا جدا أنك وصلت سّن الرشد- ومبروك ما جاك.
الفرق بين ضرسي وكوكب الأرض أنني آخذ منذ أسبوع آنتي-بيوتك وبروفين وكوكب الأرض مسكين لا يفعل.
جربّت كل الطرق الشعبيّة والطبيّة لتخفيف طنين الكهرباء المُشعلة من قابس سرّي في لثتّي، شتمت طبيب الأسنان الذي لم يكلّف نفسه بإمضاء أكثر من دقيقة وهو يفحص اللثة ويكتب دواءا -لم يعد يجدي - لأراجعه، جربّت شتم سنسوداين وإعلاناته الترويجيّة و الـ 99% من أطباء الأسنان الذين ينصحون به في الإعلان، ولا فائدة ترجى. الخطة (ب): الزخم الإعلامي. سؤال جويرية عمّا يسكت هذا الألم البغيض، الكتابة عنه وكأنه مرض عضال لايرجى منه شفاءا. كذلك إحدى الحيل هي تصوير السّن؛ الاحتفاظ بصورة الألم مجسمّا يخفف من وطأته ويجعلك تسحقه بضغطة ديليت.
لو استمر هذا الألم إسبوع آخر، أكاد أجزم أنني سأصاب بالإدمان: المسمار أو اللسترين.
المشكلة إنّه ما راضي يورم، على الأقل بيصير شكلي يضحّك. الألم الغير قابل للسخرية، ولا حتى التندر - بما إنّه مزاجي لا يسمح كما أسلفت. النكتة تقول: " اقلعهم كلهم وخليه زّي الكلب لحاله". قل تّم؟