في بلدان العالم الثالث ولاسيما تلك التي يحفل تاريخها القديم والمعاصر بالغزوات والاحتلالات والحروب والمعارك والثورات العارمة والانتفاضات والاحتجاجات والصراعات ... الخ , والتي حكمت بالظلم والجور والحديد والنار والسجون الرهيبة والمعتقلات المرعبة والاعدامات والمقابر الجماعية والتعذيب والاجرام والارهاب ومصادرة الاموال ... الخ , وبطريقة السلطان الاعظم وملك الجهات الاربعة والحاكم الاوحد والوالي الجبار والامير القهار والدكتاتور والقائد الضرورة ... الخ ؛ ترتبط هيبة الحكومة بشخص الحاكم ارتباطا وثيقا , كما تعرف السياسة من خلال مكانة السياسي , بل احيانا لا تميز الجماهير بين الحكومة والحاكم والدولة والمسؤول , وذلك بسبب التنشئة الاجتماعية والثقافية والسياسية التي نشأت عليها تلك الجماعات والشعوب ؛ من باب ( اذا قال صدام قال العراق ) فإذا رأى الشعب سياسي فاشل ؛ قال : السياسة فاشلة , واذا هتكت هيبة الحاكم ؛ قال الحكومة بلا هيبة , وليت الامر يقتصر على ما ذكرناه انفا , بل انه يتعداه كثيرا , فطالما تجرأ الاوباش والهمج وقطاع الطرق والخارجون عن القانون والمرتبطون بالجهات المشبوهة الخارجية وغيرهم على الدولة وممتلكاتها العامة والحكومة ومرافقها ومؤسساتها ودوائرها واشخاصها وموظفيها بسبب ضعف هيبة الدولة ؛ ففي هذه البلدان قد تكون الهيبة نصف الحكم , فاذا لم تكن عندك هيبة لن تسطيع ان تحكم اي بلد في العالم من هذا النوع .
ومنذ عام 2003 قررت القوى الدولية والاقليمية , اضعاف هيبة الحكومات العراقية المنتخبة ؛ وذلك من خلال تكليف الجهلة والضعفاء والعملاء والفاسدين والمخربين وانصاف الخبراء والمثقفين والمتعلمين والسياسيين وأسوء نماذج الموظفين بإدارة الحكومة وتشكيلها والاشراف على موارد الدولة والمناصب الحساسة والعامة والعمل فيها , ودعم الانشطة الارهابية والتخريبية والانفصالية التي تستهدف العراق حكومة وشعبا , مع شن حملات اعلامية شعواء لتشويه سمعة الحكومات العراقية والتجربة الديمقراطية والعملية السياسية الجديدة , وربط القرار الوطني بالمصالح الخارجية ... الخ ؛ بحجة المناداة بالحريات وحقوق الانسان ومحاربة الدكتاتورية والتسلط , وبذريعة الحكم الفيدرالي والديمقراطية والمحاصصة وتعدد الشركاء واختلاف الامزجة السياسية والآراء , وتحت شعارات العلمانية والرأسمالية والليبرالية والسوق الحرة , والحركات والاحزاب والمؤسسات الاسلامية وفتاواها الشرعية ومقرراتها الحزبية ومكاتبها الاقتصادية , وفتح ابواب البلاد امام الاستثمارات الداخلية والخارجية وتقديم التسهيلات والامتيازات ... الخ .
ما لم يتم التفكيك بين هذه الامور, وحلحلة هذه الاشكاليات النظرية والعملية , وتقديم الاهم على المهم , و وضع معايير علمية ومنطقية وعادلة و واقعية , وفرض القانون بالقوة على الجميع وبلا استثناءات , وتجديد التشريعات وسن القوانين وتغيير فقرات الدستور بين الفينة والاخرى بما يحقق مصالح الوطن والمواطن ويمنع الاستفادة من نقاط الضعف ويعالج الخلل ان وجد , و بما يسد الابواب بوجه الذين يصطادون في الماء العكر , و يحقق المرونة في التماهي مع التطورات الداخلية والخارجية ومواجهة التحديات ... الخ ؛ سيبقى مسلسل السرقات مستمرا , وستظهر لنا بين الحين والاخر سرقة من قبيل سرقة القرن وسرقة السنة وسرقة العام وسرقة الشهر , وقد ترجع لنا ايام السبت الدامي والاحد الدامي والخميس الدامي , وستتكرر الخروقات الامنية والصدامات بين الاجهزة الامنية وستنقل وسائل الاعلام العالمية والمحلية مناظر مؤسفة عن نشوب الصراعات الطائفية والعشائرية او اقتتال الاحزاب والحركات الاسلامية فيما بينها وحرق المقرات والمكاتب او التشابك بالأيدي بين رجال شرطة المرور وعناصر احد الاجهزة الامنية , او حدوث المواجهات المسلحة والاشتباكات بين فصائل وعناصر الحشد الشعبي نفسها او بينها وبين عناصر الاجهزة الامنية والجيش والشرطة , كما حدث في الزيارة الاربعينية الحالية بين عناصر من الحشد الشعبي والجيش ؛ مما تسبب بإثارة الخوف والرعب بين جموع الزائرين , ونقل صورة سلبية عن هذه الزيارة المليونية والتي تبذل الاموال الطائلة والجهود الحثيثة من اجل انجاحها كل عام .
لو تمت محاكمة الفاسدين بصورة علنية وحازمة و مصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة والمسجلة بأسم الشخص الفاسد نفسه او ذويه وتعقب اماكنها واكتشاف طرق اخفائها ؛ ولو تم ايداع القادة والساسة المتهمين بالخيانة والعمالة في غياهب السجون وكذلك العملاء والمرتبطين بالأجندات التخريبية الخارجية , ومطاردة المجرمين والفاسدين والمخربين في كل دول العالم وبالتعاون مع الحكومات والدول الاخرى , ولو تم فصل وطرد العناصر المسيئة والضعيفة والجاهلة والفاسدة والمشبوهة من كافة الاجهزة الامنية ودوائر الدولة ... الخ ؛ لما تجرأ أحد على خرق القانون او اهانة الحكومة بشكل مقصود وغير مبرر قانونيا او حاول الاشتباك مع رجال القانون وحفظ الامن او قصر في اداء واجبه الوظيفي .