تستمر معاناة الليبيين، التركة التي خلفها الاستعمار بتدخله في الشأن الليبي كبيرة جدا، الذين تولوا السلطة ليس في منهاجهم الفكري (الديني) فريضة شرعية ليتقاسمها الليبيون، ارتأت الطغمة الحاكمة ان ترث الارض وما عليها وما في باطنها، بترول ومعادن ثمينة، والبشر الذين أصبحوا عبارة عن جماد يتحرك ذاتيا ليخيّل للناظر بأنهم احياء ولكن لا يفقهون.

انقلب مؤتمر ريكسوس على مجلس النواب وهذا بدوره انقلب على الجماهير التي اتت به الى السلطة علها تنعم ببعض الامن والاستقرار وتحسن الاوضاع المعيشية الاخذة في التدهور. كلتا السلطتان اصبحتا تشكلان عبئا ثقيلا على المجتمع.

من ليبيا يأتي الجديد، علها المرة الاولى في التاريخ، شعب له برلمانان وحكومتان، البرلمان الشرعي والمؤسسات المنبثقة عنه يعترف به العالم ولكنه لا يملك اسباب القوة التي تمكنه من فرض سيطرته على الارض، في الجانب الاخر نجد ان المؤتمر الفاقد للشرعية محليا ودوليا هو من يسيطر على مقاليد الامور في ليبيا بفعل الكم الهائل من الاموال والاسلحة التي ورثها، وبفعل علاقته مع الدول الفاعلة التي تؤمن بالقوة، فهي تتعامل مع من يسيطر على الارض لتحقيق مصالح مشتركة.

الدول المنتصرة (روسيا، بريطانيا وأمريكا) وتلك التي ساعدتها لوجستيا (فرنسا والصين) في الحرب العالمية الثانية هي من تسيطر على مقاليد الامور في العالم، فهي التي تمتلك حق النقض (الفيتو)، على المستوى المحلي يتم تطبيق نفس المفهوم، المدن المنتصرة التي انتفضت في وجه النظام وقضت عليه بفعل تدخل الناتو، اضافة الى المدن التي ساعدتها لوجستيا في سقوط النظام، هي التي تسيطر على مجريات الامور في البلد وتمتلك حق النقض وبالتالي يجب ان يكون لها نصيب الاسد عند تشكيل أي جسم لحكم البلد.

مؤتمر ريكسوس بعد ان شارف على تفريغ الخزينة العامة من محتوياتها، رفع الدعم عن السلع الضرورية للعيش، قام بتعويم العملة المحلية، فارتفعت الاسعار بنسب تصل الى اربعة اضعاف ما كانت عليه، امتص الليبيون الصدمة التي لم تكن متوقعة، هناك انباء عن رفع الدعم عن المحروقات ليرتفع سعرها ثلاثة اضعاف في مرحلة اولى تتبعها زيادات اخرى في حال احتمل الليبيون ذلك وخرجوا الى الشوارع تأييدا للقرارات الثورية الصائبة.

كنا نعتقد ان ازمة التيار الكهربائي قد حلت بحلول الشتاء، لم تعد هناك ضرورة لتوزيع الاحمال، لكن حكومتنا الرشيدة " ترشيد استهلاك الموارد الاخذة في النضوب" ابت الا ان تعزف على اسلاك التيار الكهربي فتعيد قطع التيار(حيث لا تلفاز ولا نت, فنخضع للبيات الشتوي، شان بقية الحيوانات، فلم يعد هناك فرق يذكر)، لتنبهنا الى انها لا تزال تحكم وان البلد لا يزال يعيش ازمة خانقة، وعلينا تحمل الاعباء، فالقيام بثورة ضد نظام ديكتاتوري جثم على صدور الليبيين على مدى اربعة عقود كاملة ليس سهلا، ليعرف الجميع (الذين لم يساهموا في الثورة) مدى قيمة التضحيات التي قدمها هؤلاء.

كما أمضي الليبيون صيفا حارا لم ينعموا خلاله بالراحة في بيوتهم، يبدو انهم سيقضون شتاء جد قارس، ذهب البعض الى القول بان قطع التيار الكهربي شتاء جاء على خلفية فقدان العديد من المواطنين "صعق كهربائي" بسبب البحيرات الناتجة عن هطول امطار غزيرة، حيث غمرت المياه الكوابل الكهربية، ومن ثم يتمكن المواطنين من التنقل دونما خسائر باستخدام قوارب سيجلبها تجار الازمات المفتعلة على غرار مولدات الكهرباء التي اصبحت اعدادها تفوق اعداد الليبيين.   

ميلاد عمر المزوغي