تزورني التفاصيل الصغيرة مرٌة بعد كرّة .. تجيء وتجوب، تدور وتدور. أفكر فيها وأتفكر، أتدبر. في الرقم سبعة. في بقعة الحبر على الجانب الأيسر من الفراش، والندبة التي تشبهها في أيسر جبيني. في قميصي المعلق من رقبته على جانبي الأيمن، وفي الزر المخلوع من على صدره، في شفافيّته البالغة والمبالغة، في جيبه الفارغ والمثقوب. في فوضاي، وطريقة يومي، وكتابتي، ومشيتي، في تعثري وبعثرتي، في طريقة رفع رجلي على حافة السرير، واهتزاز الأخرى بطريقة عشوائية، ونظرتي اللا مبالية للسقف تارة، والعميقة تارة أخرى. في الباب المغلق الصامد والموصد أمامي، في مقبض الباب الوحيد، المتوحد، والذي مدّت له الأيدي دون نية السلام أو السلام. في نافذتي المحرّمة، واللامكشوفة، وفي مرآتي المكسورة والكسيرة.

في طريقة نومي منذ ثلاثة أيام، وفي الرقم ثلاثة، في ترددي من حلم لحلم، وارتدادي من على الأرض للفراش، ومن الفراش للأرض. في الخريطة المرسومة على سطح بيت أو قوقعة سلحفاتي الصغيرة، وفيها المسكينة التي لا تأكل ولا تموت.  في فستاني المنحني على اعوجاجة الكرسي الذي لم يجلس عليه أحد قط، ولم يحتضنه أحد، أو يلمسه، أو يلتفت إليه .. عداي الآن.

في أخي الذي يقف منتظرًا خطواتي على الدرج الذي حاول مراراً وتكراراً إسقاطي، حتى فاز وهُزمت، واستطاع يوماً. في الزخارف المتكررة في غرفتي، على الخزانة، والمكتب، والسرير. في هشاشة ظهري المتزايدة، والمتراكمة، في وجعي وجوعي. في زر النور، وفي صوت آيات، في حساب لاڤيتش المغلق، وفي ظهور إيلاف، في متاهات لابيدا، وماهيّة شعور زينب.  في الضوء الخافت وسط اللاعتمة، وكيف يجيء الضوء خافتاً لهذا الحد دون عتمة؟ كيف تموت العتمة العظيمة أمام ضوء خافت ضئيل كهذا. في التناقض والتشابه، والحديث الذي جاء عني وعنه. في الوجهة، وممن، وإلى أين، ولمَ أنا، وكيف، ومتى.

في خاصرة شجرة الصنوبر، وكيفيتها، ووجه شجرة اللوز وماهيّتها، ويد الشجرة الواهية، الخالية من الورق والأبناء عدا الظل. في ماهيّة الظل، فيك، وفيّ.

أتساءل كيف للصوت ألا يتيه، كيف للجزيئات، والذرات، والأشعة أن تعي طريقها، وأن تعي نظرتنا لها. كيف نكون جزءاً من الكون، أن ننتمي إليه. أن نكون هو. كيف تنعدم الجاذبية في رأسي، فتجوب الأفكار بعشوائية ودون مقدرتي على اصطياد إحداها. كيف لا يزورني الصداع. وكيف يطلب مني الطبيب، ألا أحمل حقيبة وألا أركب درجاً. في ماهيّتك، ومن تكون .. وليمتى؟ في أني أحبّك أكثر مني قبل ثانية. في الوجود واللاتواجد، وفي العدم.. الشيء الأكثر وجودًا حوالينا. في لغتي الضائعة، وسط ضياعي. في الخراب الذي نعمّره بأيدينا، على أمل أن نحصل على مدينة أفضل، وما نحصل. في التيه، في الضياع. وفي التشبث الذي لا نملك حينها سواه. التشبث في الخطيئة، في السراب المعلق هنا، في الهواء، في كل شيء وأي شيء. في الاكتراث، وفي العبء الذي يقع فجأة على أعتاقنا، ما أن نفكر في النهاية. النهاية.