قبل نهاية العام بساعات أخلو بنفسي ممسكا بجوالي وأستعرض جهات الاتصال وأشرع بحذف بعضها .. لا يأتي العام الجديد إلا وقد حذفت أشخاصا ليس عددهم بالقليل من حياتي لأنهم عبء .. بعد حذفهم تسري حالة من الرضا بداخلي وأشعر بالقدرة والتحكم والقوة في إدارة علاقاتي مع الآخرين، أليس الآخر هو الجحيم كما يقول سارتر؟!
ابتسم وأردف : كل سنة أفعل ذلك ..
اعترضت عليه وجادلته وحاججته لكنه كان واثقا كعادته من قراراته..
قال لي ذلك بعد أن احتسينا القهوة في مقهى على شارع عام وقررنا أن نتحدث في الممشى الطويل .. بعد مناقشة مضنية قال : مع تقديري لتحفظاتك أنت شخص " خواف " تراعي مشاعر الآخرين على حساب نفسك وتدفع فواتير غيرك ..
اسمعني: لا يقوى على الحذف والإزالة إلا الشجعان ..
ضحكنا .. ودارت الأيام، وجرت أمور وتغيرت أحوال ووضعتني الظروف على مفترق طرق، وفي أثناء ذلك تذكرت كلام صاحبي حين غشيتني غيوم من خيبة أمل وفقدان ثقة في بعض من ظننت أنه أهل للثقة.. وبلا أي مقدمات وجدت هذا النص يعترض تصفحي لتويتر :
" نحن بحاجة إلى شجاعة الحذف :
حذف التفاصيل
حذف الماضي
حذف الرسائل
حذف الأصوات
حذف الحنين
وحذف بعض الأشخاص أيضاً.."
وأهل السلوك يقولون : ( التخلية قبل التحلية ) فالتخلي والترك والحذف خطوة صعبة ولكنها جوهرية لتغيير العادات والأحوال..
الطريف أن الشواهد المؤيدة بدأت تنثال على ذهني، تذكرت حينها تغريدة لي :
( لا يكفي لتحقيق طموحاتك أن تمتلك رغبة فيها..
أهم من ذلك أن "تتخلص" من متعة الكسل
و"تتخلى" عن عادة التسويف )
وكان أحد طلابي علق على هذه التغريدة ، فقال :
سنوات وأنا أطرح هذا السؤال : ماذا علي أن أفعل لأكون أفضل ؟
بعد كلامك تبين لي أن هذا ليس بالسؤال الصحيح ، السؤال الذكي، هو :
ماذا علي أن أترك ؟ عندها تغيرت وجهة تفكيري.
والنتيجة نفسها توصل لها الفيلسوف بول ريكور :
" إن التقدم في الحياة ليس عملية اكتساب، بل عملية تخل ..
فأنت لا تكبر بقدر ما تكسب ، بل بقدر ما تتخلى ..
فحين تتخلى عن اللعب؛ تكبر..
وحين تتخلى عن القراءة في كل فن، وترضى بمجال ما؛ تكبر..
أن تتخلى فتلك شجاعتك العظمى واختيارك الأشق..
وكم من امرئ انحبس في سنة من عمره ولم يخرج منها لما بعدها، لأنه رفض أن يتخلى " .
قررت بعد هذه الوقفة الأليمة مع النفس أني سأمارس شجاعة التخلي والحذف قبل نهاية هذا العام، ولن تشرق شمس السنة الجديدة -إن شاء الله- إلا وقد حذفت من يستحق الحذف، واحتفظت بود وصفاء بكل أهل الصدق والوفاء ..
فالتكدس و"الكركبة" في جوالي وبريدي ومكتبي أو في علاقاتي أو مشاعري وأفكاري= خور وعور..
والقوة والراحة في الحسم والعزم .
احذف باسم الله ..
----------------
أ.د خالد الدريس